التوكل على الله
التوكل على الله يجب أن يكون أقوى وأمضى أسلحة مقاتلي الإسلام.
مصداق التوكل، هو أن ينظر المجاهدون في سبيل الله تعالى، لا إلى كثرة العدد ولا إلى جودة العدة، ولا إلى القيادة القوية، ولا إلى أنفسهم أيضاً، بل يجب أن تتوجه أبصارهم دائماً وفي جميع أعمالهم إلى القوة الإلهية، وأن يكون شعارهم وأملهم بالنصر الإلهي، فالله هو الناصر ومنه النصر.
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)
بالطبع فإن تهيئة السلاح والمعدات، زيادة القوة والمقاتلة وتطوير كفاءتها الحرص على التنظيم والانتضباط وغيرها، كل هذه أمور ضرورية يجب الاهتمام بها وتوفيرها بحسب القدرة كما يقول تعالى:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)
لكن جميع تلك الأمور لا تعدو أن تكون وسائل لا أكثر، وليست هي التي تحسم النصر وتحقق الهدف، لذا يجب عدم الاعتماد عليها بصورة ئيسية، اعتمادكم وتوكلكم يجب أن يكون أساساً على الله تعالى، فهو تعالى خير ناصر معين.
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ)
نعم، فمن يتق الله تعالى، يجده عونه، يهيء له سبل النجاة من الذنوب والمصائب والمشاكل، ويرزقه من حيث لايحتسب ولا يتوقع، ومن توكل على الله تعالى كفاه.
إذا كانت ساحة الجهاد مكاناً مقدساً حقاً، وكان المقاتلون فيها أولي تقوى وورع، وما كان للذنب والمعصية فيها مكان، إذا كان حالها كذلك فمن المؤكد أن التوكل على الله تعالى هو الذي سيسود فيها.
والمنطق القرآني يؤكد، أن النصر حليف جبهة المتوكلين على الله تعالى، وأن الطرق المسدودة تفتح للإنسان إذا قوى وعمق في نفسه روح التوكل على الله وإذ ذاك سيزهر في قلبه الاطمئنان والثقة والأهم من ذلك، أنه سيجد الله تعالى تعونه في المصاعب، يجيبه إذا دعاه، ويغيثه إذا استغاثه، ويكون بذلك مشمولا برعايته تعالى.
وخلاصة ماتقدم هو أن يكون التوكل على الله هو محور جميع تحركات جند الإسلام (على الله في كل الأمور توكلي)
وعلى النقيض من التوكل هناك صفات مذمومة هي التكبر والغرور والعجب، الاعتماد الكاذب على النفس والقوى المادية وحدها بمعزل عن التوكل على الله، هو الذي يجلب الهزيمة للمقاتلين، ولو نسب النصر إلى النفس لا إلى الله تعالى، وأتبع ذلك بالعجب والغرور، وإذ ذلك لتنتظر الهزيمة، الله تعالى يقول في كتابه المجيد:( لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ)
الله سبحانه وتعالى، يؤكد بجلاء أن الغرور والعجب ونسبة النصر إلى النفس، تؤدي إلى إلحاق الهزائم والنكسات بالقوات المقاتلة.
في معركة حنين، الجيش الإسلامي كان كثير العدد وقوي العدة، والعدو كان أضعف عدداً وعدة، على النقيض من جميع المعارك التي خاضها المسلمون قبل معركة حنين، حيث كانت عدتهم وعددهم أقل دائماً من العدو، إلا أنهم كانوا ينتصرون، لكنهم في حنين وعلى الرغم من قوة وكثرة عددهم وعدتهم هزموا، وقتل منهم من قتل، بل وكان من المحتمل القريب أن يستشهد الرسول الأكرم (ص) أيضاً، وكان سبب الهزيمة في المعركة هذه هو الغرور والعجب بكثرة العدد وضعف العدو كما يصرح بذلك النص القرآني:( إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)
ورغم ذلك فقد ترأف الحق تعالى بالمسلمين بعد أن تلقوا درساً هاماً في حقيقة نزول النصر، وأنزل عليهم سكينته ونصرهم ودحر الكفارين.
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) ..وعذب الذين كفروا بالأسر والقتل كما ينص على ذلك المفسرون.
هذه القصة الواقعية التي ذكرها القرآن الكريم وفصلها التأريخ، يجدر بكم أن تعتبروا بها وهي تنصحكم وتقول لكم أن ( يا جند الإسلام، لاتغتروا في حربكم وجبهاتكم بكثرة العدد وجودة العدى، وليكن توكلكم واعتمادكم على الله تعالى فقط، فبذلك يكون النصر حليفكم، وإذا حدث لا سمح الله أن اتكلتم على أنفسكم وأسلحتكم فانتظروا الهزيمة الحتمية، فالله تعالى أقسم أن يهزم المغرورين، والتجربة تثبت أن من اعتمد على غير الله تعالى مني بالهزيمة والفشل فيما اتكل فيه على غير الله.
كما أن التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه والاعتصام بحبله تعالى، هذا الأمر هو الذي يعصم الفرد المسلم من الانهيار وإفشاء أسرار المسلمين، والمعلومات الهامة الخاصة بهم إلى العدو الكافر لو وقع في الأسر لاسمح الله.
إن حفظ المعلومات العسكرية أمر هام للغاية، ويعتبر إفشاؤها من كبائر الذنوب، لذلك يجب على المسلمين المجاهدين الذين يقعون في الأسر أن يمتنعوا عن إفشاء تلك المعلومات أو إعطاء أي شيء لأعداء الإسلام.
في الصدر الأول للإسلام، كان الحال أن إذا وقع أحد جند الإسلام في أسر الكفار، وكانت معه مثلا رسالة من رسول الله (ص)، ابتلعها كيلا تقع في أيدي أعداء الله، وعلى الرغم من أن جند الإسلام الذين كانوا يقعون في أسر الأعداء، كانوا يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب، إلا أنهم ما كانوا يعطون العدو أي معلومات عن المسلمين مهما كانت بسيطة، وبالطبع فإن سر هذا الصمود والمقاومة هو الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه.
إن توجه الإنسان إلى ربه تعالى وتوكله عليه يكسبه شجاعة وصمود وثبات بحيث يعصم ويتحصن من الوقوع في أي من إغراءات العدو أو تهديداته، بل يبقى صامداً ثابتاً برجولة، ويمضي بشموخ إلى الموت لكنه يأبى أن يفشي شيئاً من الأسرار العسكرية لجند الإسلام.