الحياة الجهادية

إن كلمتي الجهد والجهاد ترجعان من حيث الجذر اللغوي إلى جذر واحد، ويعني أن كليهما يتضمن معنى الجهد والسعي، ولكن الجهاد لايقتصر على هذا المعنى وحسب.

إن الجهاد له معنى خاص، الجهاد لا يعني مجرد السعي، فالجهاد في المفهوم الإسلامي عبارة عن السعي مقابل عدو ما ومقابل خصم ما، وليس كل سعي جهادا، وكل من جهاد النفس، وجهاد الشيطان، والجهاد في ساحات القتال العسكري، هو عبارة عن مواجهة مع عدو من الأعداء، وهو مواجهة مع عائق من العوائق.

ونحن اليوم نحتاج في مجال العلم إلى هذا النوع من الجهد والسعي في البلد، فإذا شعرنا أن هناك موانع تقف أمامنا، فعلينا أن نزيل تلك الموانع، وإن كان هناك مايعترض سبيلنا، فعلينا أن نحطم تلك العوائق.

ومعنى ذلك هو أن نعتقد بمقولة (نحن قادرون)، ومعنى العمل الدؤوب بلا توقف الذي لاكلل فيه ولاتعب، والإفادة من جميع الطاقات الوجودية والذهنية، والاعتماد على الشباب.

ينبغي في مفهوم الجهاد ملاحظة الاستمرارية والنظر للأمر من جميع الجوانب، فالعمل الجهادي ينبغي أن يكون هادفا، وينبغي أن ينسجم والشعارات، وان ينجز بذكاء وعقلانية، وأن يكون محطما للعدو.

 

والجهاد هو أحد أعمدة الإيمان، حيث أن الإيمان المجرد من العمل هو الحد الأقل للإيمان، أما الإيمان الكامل والحقيقي فهو ذلك الإيمان المصحوب بالجهاد في ميادين العمل، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)، فالمؤمن الحقيقي هو الذي يزاوج بين الإيمان وبين الجهاد والهجرة والنصرة، بهذا يمكن تمييز الشخص التعبوي، أما الفكرة الخاطئة والمنحرفة القائلة بالاكتفاء بالإيمان بعيداً عن العمل والجهاد من أجل التقرب إلى الله، فيرد عليه بهذه الآية والكثير من الآيات الأخرى.

وللجهاد أنواع وأقسام: فلدينا جهاد عملي، وجهاد في النشر والطباعة، وجهاد سياسي، وجهاد اقتصادي، وجهاد مسلح، وجهاد علني، وجهاد في الخفاء، لكن النقطة المشتركة بينها جميعا هي أنها تكون في قبال خصم من الخصوم، وفي قبال مانع من الموانع.

وكل جهاد ينبغي أن يتوفر فيه أمران: 1) الجد والجهد والتحرك 2) أن يكون الجهاد والنضال ضد عدو.

وكما تم الإشارة إلى أن الجهاد لايقتصر على القتال والذهاب إلى ميادين الحرب فحسب، فحتى بذل الجهد في ميادين العلم والتحقيق والأخلاق والمعونات السياسية وبث الثقافة والفكر الصحيح في المجتمع فكل هذه الأمور هي جهاد في سبيل الله.

وفي قبال هذا الجهاد، يقف المستكبرون والأعداء والأشخاص المعاندون والمعادون للإسلام والحالة الإسلامية، يقول القرآن الكريم: ( أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ)، فعلى المسلمين أن يكونوا أشهداء على الكفار، ولكن من هؤلاء الكفار؟ -الذين ينبغي أن نكون أشداء عليهم؟ – لاينبغي أن نكون أشداء على كل من لايعتقد بالإسلام، فالقرآن يقول: ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). فلا بأس أن تحسنوا إلى الأشخاص الذين لايرفعون لواء العداء لكم، ولا يحيكون المؤامرات عليكم، ولايسعون إلى إبادة نسلكم وأمتكم، حتى لو كانوا أتباع دين غير دينكم، فلا بأس أن تبروهم، فهذا الكافر ليس هو الذي ينبغي أن تكونوا أشداء عليه.

(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ)، يجب أن نكون أشداء على الذين يقاتلون هويتكم وإسلامكم وقوميتكم وبلدكم واستقلال كل شبر من أرضكم، واستقلالكم وشرفكم وعزتكم وناموسكم وسنتكم وثقافتكم وقيمتكم، وهذه الثقافة ينبغي أن تكون حاكمة على مجتمعنا، أنا التساهل والتسامح فيجب أن يكون فيما بين نفس المسلمين.

والسبيل الوحيد لمواجهة الأخطار التي تهدد الإسلام هو من خلال الجهاد، فهناك خطران رئيسيان يهددان الإسلام: الأول هو خطر الأعداء الخارجيين الذين يأتون من خارج الحدود بأنواع الأسلحة ليهدد وجود نظام من الأنظمة الحاكمة من خلال فكره وأجهزته للبنية التحتية العقائدية وقوانينه وكل مايملك. وأما العدو الآخر وهو الأخطر الأضمحلال الداخلي، فهذا الخطر ليس من الغرباء، بل منا، فمن الممكن لأي نظام أن يبتلى فجأة بهذه الآفة على أثر الإجهاد والتعب، وبسبب الاشتباه في فهم الطريق الصحيح، وبسبب غلبة الإحساسات النفسية، وبسبب النظر إلى المظاهر المادية وتعظيمها في نفسه.

إن هذين النوعين من الأعداء يهددان دائماً كل نظام وكل تشكيل وكل ظاهرة، والإسلام قد عين العلاج لمواجهة كلتا الآفتين، فوضع الجهاد، فالجهاد لايختص بمواجهة العدو الخارجي وحسب، قال عزوجل:( جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ)، إن المنافق يزرع نفسه داخل النظام، لذا يجب أن نجاهد كلا العدوين بسبب عدائهم للنظام وعدم اعتقادهم، كذلك من أجل مواجهة ذلك التفكك الداخلي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى