تقوى القيادة

يستفاد من العديد من الأحاديث الواردة عن الأئمة المعصومين (ع) حقيقة، تؤكدها التجارب الماضية أيضاً، وهي أنه إذا صلح رئيس قوم ما صلح قومه أيضا، أي الناس على دين ملوكهم، فالعامة تنظر عادة إلى زعمائها وعلمائها وحكامها.

الإمام الخميني (قده) يقول بهذا الخصوص:(لقد ثبت بالتجربة، أن القرية التي يشيع فيها العلم والعفة والفضيلة، إما أن فيها عالماً كفوءاً فعلاً أو كان فيها قبلاً والعكس صحيح)،(إذا صلح العالم صلح الناس، وإذا فسد العالِم فسد العالَم، إذا صلح الرئيس صلح المرؤوس)

ليعرف قادة الوحدات والأقسام والمجاميع، أنهم لو كانوا على فضيلة وعفة، فسيكون كذلك أيضاً من تحت امرتهم بصورة طبيعية، وعلى نفس هذه القاعدة يعطي الآباء والأمهات الصالحون، أبناء صالحين للمجتمع.

يقول تعالى في محكم كتابه:( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) فواجب القادة هو فضلاً عن مراقبة أنفسهم والحفاظ عليها من السقوط في المعاصي، عليهم أيضاً أن يراقبوا ويحافظوا على من تحت أيديهم وأمرتهم، وأفضل وسيلة لحفظهم من مزالق الانحراف، هو التزام القادة أنفسهم عملياً بأحكام وآداب الشريعة الإسلامية المقدسة.

هذبوا الآخرين وربوهم بسلوككم وعملكم، فعندما يعلم أحدكم أن قائده يصلي صلاة الليل ويقرأ الأدعية والمناجاة، سيتأثر هو أيضاً بذلك ويصبح هو أيضاً من أهل صلاة الليل والمناجاة والدعاء والتوسل، ولكنه عندما يرى قائده يجادل وينازع ويلغو و..، سيتأثر به أيضاً ويقتدي به في تلك الأعمال، أو إذا كان القائد يعامل الأسرى معاملة سيئة فواضح كيف ستكون معاملة من تحت إمرته تجاه الأسرى.

كما أن من أهم عوامل تهذيب النفس هو:

  • الإخلاص: وحقيقته هي أن تؤدي الأعمال من أجل رضا الله سبحانه فقط، وعلاقته هي أن لا تيأسوا ولا تهنوا إذا حدث -لا سمح الله- أن غلبتم ظاهرياً في الجبهة، وعلامة إخلاص القائد والمسؤول هي أن لا يستغل مسؤوليته ومنصبه وزيه استغلالا سيئاً، وعلى العكس إذا أهان القائد أو احتقر واستخف بأحد ممن تحت إمرته فهذا التصرف ناشئ من فقدان الإخلاص لدى القائد، وهو -التصرف المذكور- ذنب عظيم، وموجب لغضب الله عز وجل على مرتكبه، والنصوص الشرعية تؤكد أن المسؤول إذا نظر بعين الاحتقار والسخرية لمن تحت إمرته، فسيسخر منه يوم القيامة بعد أن يلقى في جهنم.
  • الأخوة: وتتأكد أهميتها بين القادة خصوصاً، إذا حدث -لا سمح الله- أن نشب خلاف ونزاع وتنافس بين اثنين من القادة، أو كان هناك شيء من هذا القبيل في المدن وامتد إلى الجبهة، فهذه الجبهة ستتحول إلى جبهة ضرار، لا الجبهة التي يفترض أن يتجلى فيها نور الله سبحانه وتعالى.

إذا نشب -لا سمح الله- خلاف ونزاع بين المجاهدين، فلن يبقى للإسلام باقية، ولن يبقى المقر مقر حرس الإسلام، بل سيصبح مقر ضرار، سيصبح المقر الذي يترسخ فيه وجود المنافقين عبر إثارة الفتنة.

إذا نشب -لا سمح الله- نزاع أو جدل بين اثنين من القادة في الجبهة أو غيرها فاعلموا أن الآثار السيئة لهذا النزاع والجدل ستؤثر على الجبهة ككل وستنتقل إلى من تحت إمرة القائدين، سواء أرادا أم لم يريدا، وتذكروا أن أعظم الذنوب في الإسلام هو ذنب إثارة النزاع والاختلاف والفرقة بين المسلمين، خاصة في الظروف الحالية التي يمر بها الإسلام، وبالأخص في ظروف الحرب الحالية.

إذا أدت تصرفات القائد وسلوكه إلى نشوب النزاع والفرقة إلى من تحت أمرته، فليعرف أن ذنب ذلك سيتحمله هو-القائد- بالدرجة الرئيسية.

  • الرفق والتراحم: ويجب أن تسود روح التراحم والرفق بين المسلمين في كل مكان خاصة في الجبهة، وكما تجب على الجند والمجاهدين طاعة قادتهم واتباعهم، كذلك ينبغي للقائد، أن لا يدع روح الاستبداد تسيطر عليه، بل عليه أن يشاور جنده ومن تحت إمرته ويحترم آراءهم، وصفة الرفق والتراحم ضرورية للجميع ومن اللازم توفرها في كافة المراكز والمؤسسات والمنظمات وخاصة مراكز المجاهدين.
  • الصبر والثبات: وهذه من الأمور المهمة الأخرى التي يجب توفرها فيكم، وهي أكبر أهمية، وضرورة بالنسبة للقائد.

الجبهة والحرب تحتاج بصورة كبيرة وخاصة للتحلي بالصبر والثبات وسعة الصدر وطول النفس، الرسول الأعظم(ص) يحدد للإيمان ركنين أساسيين، هما: 1) شكر الله عز وجل إذا انتصرتم وغلبتم أعداءكم. 2) الصبر عند البلاء والمصائب والهزائم الظاهرية.

إذا تحدث القائد بحديث ما قد يشم منه رائحة اليأس، فمن الواضح ماذا سيحدثه ذلك من آثار سيئة على من تحت إمرته.

وعلى العكس من ذلك، إذا كانت أفعال وأقوال القائد تجاه المصاعب والهزائم وغيرها، كانت بالصورة التي توضح قوة صبره وسعة صدره، فمن المؤكد حينئذ أن ذلك سيؤثر إيجابياً على جنده ويلهمهم روح الصبر والإيمان.

  • التوكل على الله عز وجل: وهو من الأمور الهامة التي يجدر بالجميع الالتزام بها خاصة المقاتلين وبالأخص القادة، وليكونوا دائماً واضعين نصب أعينهم حقيقة أنه إذا تحقق لهم النصر، فهو من عند الله سبحانه، وبفضل التوكل عليه وإذا أصابتكم مصيبة، فليعلموا أنها من شرور الغرور وعدم التوكل على الله سبحانه.

وخلاصة كل ماتقدم هي أن تعلموا أن الجبهة هي أفضل محل لتهذيب النفس واكتساب الفضائل والأخلاق الحسنة.

يقول أحد العلماء الكبار:( إذا أردتهم الوصول إلى درجة النفس الراضية المرضية فاذهبوا إلى الجبهات بنية مخصلة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى