مكانة الجهاد
جعل الإسلام مكانة مميزة للجهاد، وأعتبره طريقاً لقبول المؤمن، ورتب عليه توجه سلوك الفرد نحو الاستقامة. فقد ساق الله تعالى في القرآن الكريم مقارنة تفصيلية ومحددة، لكل حاجات وعلاقات الإنسان المباشرة واليومية، في مقابل الجهاد في خط الله والرسول (ص)، ليخيره بين الأمرين:( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
فالأولوية لحب الله ورسوله والجهاد في سبيله، في مقابل حب الأرحام والعلاقات والرغبات المادية، وهذه الأولوية تبرز عند التعارض، فإذا منع المال من الجهاد خوفاً من خسارته، ومنع الولد من التضحية رغبة بالأنس به، فهو انحراف عن طاعة الله. أما مع البذل والتضحية في سبيل الله، فحب المال والولد لاينفك عن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله، وعندها لا تعارض بين الأمرين، بل يدخل حب الأمور الثمانية المذكورة في الآية الكريمة في سياق سبيل الله، وتكتسب مشروعيتها من انقيادها لما أمر الله تعالى، فهي لم تعد أموراً دنيوية تبعد عن التكليف الشرعي، وإنما هي عوامل مساعدة للقيام بهذا التكليف.
ولا يخفى ما للجهاد والمجاهدين من مكانة كبرى في الإسلام.
ففي القرآن الكريم:( لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَٰتُ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)
وفي الحديث الشريف عن رسول الله(ص): للجنة باب يقال له باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف، والملائكة ترحب بهم.
وعن أمير المؤمنين (ع): فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة.
وعنه أيضاً: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد.
وعن الإمام الصادق (ع): الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض.
إن الجهاد نقطة ارتكاز رئيسة في الإيمان بالإسلام، وله مقدمة ضرورية بالاستعداد والتضحية بالنفس والمال وليس بجزء منهما فقط، مع أنهما أهم شيئين يحرص عليهما الإنسان في حياته. إنها صيغة تعاقدية ومبايعة مع الله تعالى، لنيل الجنة مقابل التضحية:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
ولا استغراب في اندفاع المؤمن نحو الشهادة، فهذا جزء من الالتزام والتعبئة الإيمانية، وهو تعبير الطاعة لله بتطبيقها عملياً بعد الأمر بالجهاد، وهو تحقيق للتكليف الشرعي الملقى على عاتق المؤمنين في الدفاع عن أرضهم وحقوقهم.
وبمقدار مايحقق الجهاد عزاً وتحريراً، يؤدي تركه إلى الذل والخسارة والسقوط والانهيار للفرد والأمة. في الحديث الشريف عن رسول الله(ص): ( فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً في نفسه، وفقراً في معيشته، وحقاً في دينه، إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها). فتارك الجهاد يعيش في الذل على المستوى الشخصي بسبب انسحاقه أنا الأعداء وعجزه أمامهم واستسلامه لمطالبهم، ويعيش الفقر لأن خيرات بلده وأمته وحياته يتحكم بها الأعداء، ويخسر دينه تدريجياً لأنه لم يلتزم بهذا الجهاد المقوي للدين وللمتدينين.
فلو لم يكن المؤمن قادراً على الجهاد، أولم تسنح الظروف الموضوعية لمشاركته فيه، فعلى الأقل يجب أن يعيش التفاعل مع الجهاد والرغبة به، حتى لو تمثل بحديثه مع نفسه في رغبة الجهاد. قال رسول الله (ص): ( من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق). إنه تقييم مختلف للحياة، فهي موت مع الذل والاستسلام، وهي حياة مع الجهاد والشهادة لنصرة الحق وإعزاز الأمة، وفي هذا قول أمير المؤمنين(ع): الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين.